في حياة كل أمة مفاهيم أساسية تحرص عليها وتعمل علي ترسيخها وتعميق أدراكها في شؤونها الفكرية والأجتماعية والأقتصادية , وغير ذلك من أمور الحياة , وتسعي كل أمة سعيا حقيقيا دائبا علي أن تكون مفاهيمها واضحة الدلالة في ذاتها مرعية الجانب لدي أبنائها واسعة الأنتشار والتداول لدي غيرها , وتتخذ لتحقيق ذلك وسائل شتي فتؤلف الكتب وتعقد المؤتمرات وتقوم الدراسات وتعد النشرات وتوضع مناهج التربية وتستخدم بوجه عام كل وسائل الأعلام من التلفزة والأذاعة وجرائد وأنترنت وفيس بوك وأرشاد وتوجيه, لتوضيح هذه المفاهيم وشرحها وبيان أسسها وخصائصها وتفصيل وجوة النفع فيها .
إن هذه المفاهيم الأساسية وما ينبثق عنها ويتعلق بها هي في حقيقتها مايمكن أن يطلق عليه بشكل عام ثقافة الأمة أو حضارتها , مع الأخذ بعين الأعتبار ما بين الثقافة والحضارة من فروق يدل عليها تطور الكلمتين في اللغة العربية واللغات الأخري .وأكثر ما يهتم به قادة الفكر والثقافة , والمؤمنون بمفاهيم أمتهم الدائبون لنشرها هو نقلها من حيز النظر المجرد الي الواقع البشري الحي .ووصل حياة الناس بها بحيث تكون مصدر فكرهم وشعورهم وطابع سلوكهم وسمة حياتهم العملية , ومن هنا يخرج مدلول الثقافة عن قصد المعرفة المجردة الي المعرفة الهادفة أو بتعبير آخر عن المعرفة الساكنة التي لا تتجاوز حدود العمل الذهني الي المعرفة المتحركة التي تحدث تفاعلا موجها واضح التأثير مع تطلعات الفرد والجماعة وخصوصا من كانت ثقافتهم عربية , الذين لا يجدون المعين يزيد ثقافتهم وذلك بأختلاف الواقع الذي يهيمن عليها الثقافات الغربية الدخيلة , ولهذا السبب هذه كانت محاولة أخري بعد محاولتنا الأولي ( التضامن الديمقراطي ضرورة لبناء تشاد ) وذلك بغرض أثراء الوعي التشادي بشكل عام حول المعطيات الحقيقية للمشكلة التشادية ماضيا وحاضرا وربما مستقبلا في تفكير لوضع هذا الكتاب لأرشاد من ضل وغوي وأنقاذ من أنحرف وهوي وتحرير من أستعبدته الأهواء , واستبدت به طوغيت الأرض فشوهوا فطرته وأفسدوا عقيدته وأزلوا كرامته وجعلوا منه مطية سهلة لمطامعهم وساقوه سوق السوائم الي مذبح رغباتهم وشهواتهم وذلك من أجل أصلاح ما فسد وتحريك ما توقف وبث روح في الحركة المتزنة في الحياة الفكرية والاجتماعية بالرغم من أن ذلك يحتاج الي جهد كبير وبذل سخي وعمل متواصل ومع ذلك أكرر وأقول فما لا يدرك كله لا يترك جله .هذه كانت جزء من مقدمة كتابي ( تشاد والأسلام ومعركة التحديات ) والذي تم أعداده في السعودية ونشره في بيروت عام 1997 م .
وأعتبارا من هذه الحلقة سوف نستعرض بعض ملامح الأساسية وأضاءات كاشفة عن تشاد تاريخا وجغرافية وسياسة , لأن لقد أتضح لي منذ التسعينات من القرن الماضي ان تشاد تكاد تكون غير معروفة معرفة واضحة في المحافل البحثية وخصوصا الناطقة بالعربية وربما يرجع السبب في ذلك الي عدم وجود كتابات تاريخية عنها باللغة العربية فدفعني ذلك الي دراسة تاريخها للكتابة عنها أملا في أبراز تراثها الأسلامي والقومي واللقاء علي شعبها ودوره في مقاومة الأحتلال الأستعماري الذي حاول طمس معالم حضارته. وكان من نتائج هذا العمل الكتاب الذي نختطف بعض سطوره المضيئة .
إن أول صورة ترد الي الذهن عند الحديث عن تشاد هي صورة بحيرة كبيرة مثلثة تبدو كبقعة زرقاء في قلب أفريقيا وتحدها أربعة بلدان كبيرة وهي تشاد ونيجيريا والكاميرون ونيجر .وكانت مساحة هذه البحيرة أكثر من 25 كيلو متر مربعة ولكن اليوم مع الأسف أنحصرت مياهها أقلة من أربعة كيلومتر , وذلك بسبب الزحف الصحراوي وهجوم الكثبان الرملية عليها من الشمال . وقد طمر أجزاء كبيرة منها وهناك عوامل أخري ذات العلاقة بالجغرافيا . وهناك في تشاد بحيرات أخري صغيرة نسبيا , كبحيرة ليري وبحيرة فتري وبحيرة أوينقا الكبير والصغير والوسط وايضا بحيرة فيانجا وبحيرة تيكم وبحيرة أندرعلي الحدود السودانية التي تقع علي دائرة سلطنة كبكا . وكل هذه البحيرات والأنهار تسهم أيجابيا في الأنتاج الزراعي والحيواني وتدفع بمسيرة النهضة التي بدأت أنطلاقتها في تشاد مع بداية هذا القرن .
إن ترابط مختلف المناطق التي تكون تشاد حاليا لايتضح من الوهلة الأولي , فالمناطق التي كانت تطلق عليها دار الأسلام قبل دخول الأستعمار الفرنسي والتي تشتهر بالثروة الحيوانية والغابات الكثيفة في جنوبها وتجاور مناطق زراعة القطن والأرز حيث توجد تجمعات كانت وثنية . وتعتبر منطقة تشاد حصن حصين يتكون من جبال تبستي التي تقع بعض أجزائها الي ( 2000 ) متر ومتوسطها ( 1000 ) متر وأعلي قممها قمة ( إيمي – كوسي ) تبلغ ارتفاعها ( 3415 ) متر . وأنيدي التي تعتبر مكملة لسلسة جبال تبستي وهي واسعة رملية ويتراوح ارتفاعها ما بين ( 1000 الي 1300 ) متر وأردي وتقع بين تبستي وأنيدي ويتراوح ارتفاعها ما بين 600 الي 1000 متر . ومرتفعات وداي وملحقاتها وجبال قيرا وابوتلفان وأبو دية وابو طيور وهذه يتراوح ارتفاعها 1100 الي 1700 متر هذا فضلا عن الجبال والمرتفعات المتناثرة في ( ميتو ) و( أنقري ) و( الحجر اللميس ) وبالأوليري وفينقا وبابيوكم , ومرتفعات وداي وتاما ودار سيلا وهي حواف وعرة للمنخفض التشادي .
ويعتبر نهري شاري ولوغون المجمع الرئيسي للمياة وهناك ايضا انهار شبه موسمية , البطحا , البطيحة , ونهر عوف وبحر سلامات وبحر ارحويج ونهر كيتا .فوجه تشاد عموما هو وجه البحيرات والمستنقعات والجبال والمرتفعات والغابات الكثيفة في الجنوب وجزء الأكبر من مساحة تشاد الصحراء في الشمال . والسافنا في الوسط والغرب , ففي شمال خط عرض 14 درجة تختفي غابات الأشواك شيئا فشيئا حيث تكثر المراعي الخفيفة والوديان والمستنقعات التي تمتلئ بالمياة في فصل الأمطار وتميل أرض تشاد بوجه عام نحو الجنوب الغربي ويدل علي ذلك أتجاة المياة من مختلف الجهات نحو بحيرة تشاد التي تقع في الجنوب الغربي , تلك البحيرة التي سميت المنطقة بأسمها وهي فريدة بغاباتها التي يصعب الدخول فيها وطيورها المائية التي لا تحصي ولا تعد وجزرها العائمة وسكانها ذوي الطبيعة المزدوجة ( البودما – والكوري ) الذين أشتهروا بالملاحة في الممرات المائية علي مراكبهم المصنوعة من ( البردي ) .
ينبع نهري شاري من أرض ( اوبانجي ) بأفريقيا الوسطي ويتلقي المياة من المرتتفعات التي توزع المياة بين نهر النيل ونهر الكنغو ويسير صوب الشمال الغربي عند وصوله الي الحدود الفاصلة بين تشاد وافريقيا الوسطي يلتقي بنهر( كيتا ) ونهر ( أوك ) ونهر ( اوهام ) وهي روافد دائمة الجريان نحو الشمال ويبلغ طوله 1180 كيلو متر . وينبع نهر لوغون ايضا من أراضي ( اوبانجي ) بأفريقيا الوسطي وتأتيه مياة الأمطار الموسمية مما يمكنه الوصول الي بحيرة تشاد وهو يشكل الحدود بين تشاد والكاميرون ويبلغ طوله 965 كيلو متر . ويلتقيان كلا النهرين عند مدينة أنجمينا العاصمة فيسيران معا في مجراهما المتعرج ويصبان في بحيرة تشاد وسوف نواصل .
k_shams63@hotmail.com