يسألونك عن تاريخ سلطنة دار الكوبي التشادية (أريبا) .. بقلم: ادم كردي شمس
سودانيلنشر في سودانيل يوم 22 – 12 – 2016
لقد تناولنا في السابق عدة موضوعات ذات العلاقة بتاريخ المنطقة في شكل سلسلة مقالات تحت عنوان يسألونك , وفي هذه الحلقة سوف أستعرض لمحات سريعة عن جزء من تاريخ سلطنة دار الكوبي التشادية المعاصرة . هذه السلطنة برزت علي أثر الأنشقاق العائلة الحاكمة من عشيرة ( الأنقو ) التي قادها السلطان حقار تيراب عام1912 م , تقع سلطنة دار الكوبي التشادية الجزء الشرقي من تشاد ,تبدأ حدودها من وادي هور شرقا ومرورا بحيرة أندرالتي تتقاسم حدودها مع سلطنة كبكا السودانية وتمتد حدودها الي سقوني وسندي جنوبا الي دار قمر ودار التاما . وتحد حدودها غربا مع سلطنة دار الكبكا التشادية , وشمالا الي دار البيديات . وحاضرتها مدينة هيريبا أو( أريبا ) علي حسب المصادر باللغة الفرنسية .وكما هو معلوم ان هناك ايضا سلطنة دار الكوبي السودانية وحاضرتها مدينة الطينة التي سبق الحديث عنها في حلقات سابقة .ونسبة للعلاقة القوية والأرتباط الوثيق بين شعبي الأدارتين الكوباوين في الطينة وهيريبا , وكذلك علاقة الأسرتين الحاكمتين وتداخل حلقات تاريخهما حيث أن كلاهما تنتمي لعشيرة ( أنقو ) ويلتقي نسبهما في جدهما ( هلال ) وهو الجد الثامن في تسلسل أجداد أنقو من الجيل الحاضر , الأمر الذي أدي الي تناوب الأسرتين في حكم دار كوبي منذ تأسيس السلطنة منذ ثلاثة قرون تقريبا , حينما دخول الأستعمار الفرنسي التي كانت تحكم دولة تشاد حيث عمدت الي تجزئة السلطة الموحدة الي قسمين بتتويجها السلطان حقار تيراب من نفس عشيرة الأنقوا ( تبويرا ) سلطانا علي المنطقة الواقعة غرب وادي هور موازيا لسلطة عشيرة الأنقو ( جيرا ) التي تتخذ من الطينة ( درقسي ) عاصمة لها. فلذلك نحن عندما نتحدث عن عشيرة أنقو الحاكمة لا نريد أن نتطرق لأصلهما وتاريها القديم ولكن الذي نريد قوله ان العشيرة علي عمومها وأطلاقها في كلا السلطنتين ( بأفخاذها التسعة ) لأستحالة الفصل أو التفريق بينها .
وكما سبق الأشارة ان السلطات الأستعمارالفرنسي هي التي ساعت بزرع الفتنة وعملا بمبدأ الأستعماري ( فرق تسد ) واستطاعت تقسيم العائلة الحاكمة وتنصيب السلطان حقار تيراب عام 1912 م وأتخذ من ( مردو ) حاضرة لها , وفي عام 1936 توفي السلطان حقار تيراب وخلفه أبنه البكر السلطان عبدالرحمن حقار الذي نقل العاصمة من مردو الي مدينة هيريبا الحالية في عام 1938 أي بعد سنتين من وفاة السلطان حقار.وأستمر حكم السلطان عبدالرحمن حقار من عام ( 1936 الي 1998 ) أشتهر السلطان عبدالرحمن بكرم وجود اذا كان العرب في الجاهلية يضربون المثل في كرم بحاتم الطائي فأن السلطان عبدالرحمن حقار أجود واكرم من حاتم الطائي بألف مرة وهويعطي بلا حساب وقلما تجد اسرة في هذه المنطقة لم تصل اليه هدية السلطان ( عبارة عن جمل أو حصان أصيل لكل انسان طلب يد العون من السلطان ) ولذلك كان محبوبا من شعبه ومن رعيته . الي حين وفاته عام 1998 وخلفه ابن بخيت عبدالرحمن الذي حكم خلال الفترة ( 1998 الي 2013 ) وتولي من بعده شقيقه السلطان طاهر عبدالرحمن منذ 2013 الي الآن . وقد قسم السلطان عبدالرحمن حقار هذه السلطنة الكبيرة أداريا الي ستة مناطق أدارية ( تحت أدارة مقدوم وترجمتها باللغة الفرنسية ( كانتو ) وكان أغلب ( المقاديم ) أي حكام المعاطعات الستة من أخوانه الأمراء ابناء السلطان حقار كنوع من مشاركة في ادارة السلطنة . وكانت علي النحو التالي :
1 – مقدوم ابراهيم حقار ( ابو دهب ) كان مقدوما علي مقاطعة جنوب السلطنة لغاية حدودها مع سلطنة دار التاما .
2 – مقدوم ادم بخيت حقار كان مقدوما علي مقاطعة أري الشمالية لغاية حدودها مع دار البيديات .
3 – مقدوم أدريس حقار كان مقدوما علي المقاطعة الغربية وتمتد لغاية حدودها مع ديرونق .
5 – منطقة القوروف كانت تحت أدارة العقيد عبدالله . ( لست أدري من هو العقيد عبدالله )
6 – الملك كوتي يعقوب وهو من عشيرة ( جدي ) وهو الوحيد من خارج العائلة الحاكمة كا ن حاكما علي منطقة ديرونق لغاية حدودها مع الميمي .
أما المقدوم علي حقار كان مقدوما علي المقاطعة الغربية قبل تقسيم المناطق وحصل خلاف شديد بينه وبين السلطان عبدالرحمن حقار نتج عنه بعزله وأبعاده الي العاصمة فورت لامي لمدة 4 سنوات وعين المقدوم ادريس حقار بدلا عنه . وقد استمرت هذا التقسيم الأداري الي حين السنوات الأخيرة , حيث تم اعادة توزيع المناطق الي كانتونات وتوزيع السلطات الأدارية لأبناء المناطق المذكورة .
وقد رأيت هيريبا لأول مرة عام 1958م وكان عمري لا يتجاوز سبعة سنوات , وهي كانت أقرب الي قرية منها الي مدينة , وكانت معظم مساكنها من الجالوص ( من الطين ) وكانت من أشهر معالمها في ذلك الوقت قصر السلطان عبدالرحمن حقار الذي يقع الجزء الشرقي من هيريبا وكان قصرا كبيرا ومميزا مطلية بجير الأبيض تراه علي بعد عدة أميال محاط بسوركبير علي شكل مربع وبداخله مقر السلطان ومساكن زوجاته وأعوانه الذين يعملون في أدارته من القومية ( قردي نومات ) حرس الحدود وغيرهم من العاملين .
أما مؤسسات الدولة في هيريبا في ذلك الزمان كانت هناك مقر ادارة الحاكم الفرنسي بمنصب نائب محافظ ومكاتب التابع له وهناك ايضا مستوصف صغير ( اوبيتال ) ومدرسة أبتدائية للبنين فقط التي تمت تأسيسها عام 1952 م وهناك ايضا مركز بوليس ( جندا رم ) وايضا مكتب جمارك ( الدوان ) ومكتب للحرس الحدود ( قردي نومات ) ومحكمة . وسوق اسبوعي يقع ما بين المدرسة الأبتدائية وبيوت ابو ابراهيم حقار ( ابو دهب ) حيث تعرض فيه السلع والبضائع البسيطة مثل السكر والشاي والعطرون والمنتجات الزراعية كالويكة والدخن وطماطم المجفف والصمغ والسمن والشرموط ( لحم مجفف ) والبلح وملح الأحمر , وبجانبه سوق للبهائم كالأغنام والأبل والأبقار . وتباع أغلب هذه البضائع بالمقايضة نظرا لقلة الفلوس النقدية .
وقد تغيرت هيريبا الآن وصارت مدينة كبيرة حيث تضاعفت عدد سكانها عدة مرات وتوفرت فيها كل مؤسسات الدولة الحديثة من مستشفيات ومدارس وصارت هيريبا عاصمة لمحافظة دار الكوبي وفيها مطار مدني , وتحولت الكانتونات السابقة صارت محليات تحت إدارة نائب محافظ , ويجري العمل الآن تحويل دار الكوبي التشادية الي ولاية وعاصمتها هيريبا .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.