سألونك عن كيف تمكن عقلاء تشاد من العبور بالفترة الأنتقالية الأولي ( 309 )
كما تعلم أيها القارئ الكريم خلال الشهور المنصرمة ’إن معظم أهل تشاد وإصدقائهم في العالم كانت أعصابهم مشدودة كأوتار العود نحو مدينة الدوحة لمعرفة الوقائع الجارية ومعرفة كيف تتمكن الدوحة أن تجمع بين الفرقاء الذين فرقتهم عوامل السياسة والعنف وكيف يتم إعادة لحمة من جديد . مابين المعارضة المسلحة بكل جبروتها وشهوتها إلي السلطة وأجنداتها الخارجية ووفد الحكومة التي تتكون من حكمائها وبعض عقلاء تشاد الذين يحفظون دروس التاريخ ومجموعة من المجتمع المدني و طرف الحياد التي مثلتها الحكومة القطرية مشكورة وهي دائما تسعي للأصلاح ذات البين ’ حيث تمكنت حكومة قطر بفضل خبرتها الطويلة من إدارة الأزمة بجدارة وحرفية و تمكنت من إزالة كآفة التحديات والعقبات وإبعاد الأجواء التوتر والحواجز النفسية والشكوك التي كانت تسود بين الفرقاء ’ وإسكانهم في فندق واحد حتي يتم تعارف ومزيد من الألفة بينهم .
وفعلا تم تعارف بعضهم البعض عن القرب وشعر كل طرف منهم بالطمأنينة وتأكد لهم إن الهدف من وراء الحوار لتحقيق فهم مشترك و بلوغ إلي أرضية مشتركة من أجل مصلحة المواطن والوطن وإزدهاره وليس مجرد علاقات عامة ولقاءات جانبية تكتيكية لتحقيق مصالح ذاتية . كما إقتنعت أطراف النزاع أن هذا الحوار ليس مجرد نزهة ذهبية في أحضان الدوحة الجميلة ولا هي مناسبة عابرة لتسجيل مواقف سياسية أو إملاء رؤي جديدة علي الطرف الآخر . وفي هذه الأجواء الأخوية والأحتكاك المباشر الذي تم في أروقة فندق السلام وفي مطعمه نشأت نوع من الألفة وتعارف وأدت ذلك إلي تقيلص الفجوة بين الفرقاء وقبول الآخر وتم تقريب وجهات النظر ووضع معالم الطريق لتشاد الجديدة وتحديد أجندة الحوار الوطني الشامل وتم التوافق عليه مبدئيا . ومن ثم إنتقلوا إلي إنجمينا لمتابعة بقية الحوار وإستكمال لمسات الأخيرة وتبعاته في أجواء الوطن الخريفية ووسط الأهل تم طرح القضايا المسكوت عنها بشكل مباشر وكل واحد أبدي رأيه بكل حرية بدون إقصاء من أحد وتم الحوار المستقل ’ يسوده الحرية والأمان . وقد شاهدتم جميعا مداولات الحوار الوطني مباشرة عبر الأجهزة الأعلامية علي الهواء ’ وتابعنا كذلك نتائجها الموفقة بالامس القريب .
والغريب إن معظم شعوب الأرض عندما تواجه تحديات ومخاطر وأهوال وشدائد تصيبها خيبة أمل وتنهار أحيانا كليا أو جزئيا وتفلت الأمور من أيدي العقلاء ولكن سبحان الله أن الجماهير التشادية لقد عودتنا دوما مواقفها الأيجابية الصلبة ’ ومن عادتها أنها تتوحد عند الشدائد من كآفة مكوناتها الحزبية والقبلية والدينية وتصبح علي قلب رجل واحد وتنسي خلافاتها السياسية والأجتماعية والجهوية والعقائدية ومرارات الماضي ولا تنكسر شوكتها بل تتكاتف وتصبح أصلب عودا وتعمل سويا علي مقاومة هذا الخطر والتصدي له بصلابة ومواجهته ببسالة مهما كانت خطورة هذا البلاء . وقد تجلت ذلك مرات عديدة في تاريخ هذا الشعب ’وقد شهدنا كيف توحد هذا الشعب في مواجهة العدون الليبي وإحتلال قطاع أوزو . وكما شاهدنا موقفها يوم إستشهاد مشير تشاد علي أرض المعركة ’ في ميدان الشرف والكرامة دفاعا علي أرض الجدود والآباء وقد شاهدنا كذلك بالأمس القريب موقفها البطولي الذي حير الشامتون والعملاء الذين يرهنون لصالح الأجندة الخارجية وكذلك المأجورين والمتآمرين والطامعين ضد إرادة الشعب من هذا الموقف الحكيم الذي إتخذه عيال تشاد وعقلائه من إتخاذ خطوات مباركة أدت ذلك العبور بالبلاد من مرحلة إلي أخري جديدة بسلام ووئآم وتمديد الفترة الأنتقالية الثانية لمدة سنتين وإتخاذ قرارات هامة بشأنها ’ لكي يتماشي مع تأكيدات وتطلعات الشعب التشادي التي تدعوا إلي حل قضاياها السياسية والأجتماعية بالحوار والتفاوض وإتخاذ الوسائل السلمية بعيدا عن أجواء العنف والحروب العبثية التي ستؤدي إلي الخراب والدمار والفرقة والدموع والشتات واللجوء .
ولقد تجلت للعيان إن الحكومة التشادية الأنتقالية بقيادة الفريق محمد إدريس ديبي ساهمت كثيرا في إتجاه السلام والأستقرار لذلك إختارت الحوار كوسيلة حضارية للتوصل والتوافق في قضايا التي تمس الوطن إلا من ( أبي ) مؤكدة أن جمهورية تشاد أرض شاشعة الأطراف كافية جدا لتسع الجميع وأكثر إذا توفرت الأرادة السياسية وأرادت الجميع أن تعيش بسلام وآمان . وإذا ما توافقت كآفة الأطراف الذين إختاروا الحوار كوسيلة حضارية وسلمية كبديل للعنف والتشنج والأقتتال التي عانت تشاد منذ فجر الأستقال . ولذلك إن إتخاذ مثل هذه المواقف الحكيمة من عقلاء تشاد ليس موقفا غريبة بل تبدو بوضوح تأثير الحكمة المشهورة ( العاقل من إتعظ بغيره والأحمق من إتعظ بنفسه ) وهي حكمة مشهورة ورثناها من الجدود والآباء , فعلا العاقل هو الذي يتعظ بغيره وينظر في عواقب وتجارب الآخرين ومآلاتها ومن ثم لا يمكنه أن يكرر التجارب المكررة لأن نتائجها وتداعياتها معلومة ويتجنب الوقوع بمثل تلك الأحداث . أما الأحمق والجاهل فهو لا يتعظ ما حصل له أو لغيره ويكرر نفس الأخطاء ويدمر نفسه بدون أن يتعلم حرفا من دروس التاريخ خصوصا في مجال الحكم والسلطة . وقد ذكرت هذه الحكمة في هذا السياق وددت أن أختتم هذا المقال كخلاصة القول أن ذاكرة شعبنا الطيب ما زالت تخزن أحداث التاريخ وإسباب إندلاع الحروب وويلاتها .
آدم كردي شمس