قبيلة التامة
احتراف الحياد .. فقط ثورة وحيدة من أجل المبادئ!
في منطقة تعج بالمواجهات، وسيلة قصوي للتعبير عن الرفض والصدود لمجرد دولة مركزية .. عرف (التامة) أهمية الولاء لتلك الدولة.. واستماتوا في الدفاع عنها.. والزود عن مبادئها لآخر الرمق. حدث ذلك قبل مائة عام أو زيادة فارتبطوا عبر الفكي سنين بأيدلوجية النظام الإسلامي الذي انتهجته الدولة المركزية في أمدرمان بفعل الثوار المهدويين! بالإضافة إلى ذلك فإن (التامة) مجموعة سكانية ذات تاريخ موغل في القدم ومعلوم عنهم الحماسة لعدم الدخول في معارك جانبية. هذه التي كلفت المجتمع من حولهم عبر مئات السنين مرارات لا أول لها ولا آخر، وثأرت لا تنتهي.
وعلى نسق كهذا، تظل أثنية التاما أكثر حماسية للتداخل وقبول الآخر ضمن رابطة سكانية أهم ما يميزها، طيف كثيف من التباين اللغوي والتنوع الثقافي الواضح…
أصول وملامح
تنحدر الأصول البعيدة لـ(التاما) من (بن تميم) القبيلة العربية ذائعة الصيت، والمشهورة بالحركة والهجرة بصورة دائمة لم تعرف الاستقرار أبداً وأوغل (التميم) في المنطقة الأفريقية عبر رحلة موثقة جيداً في مضابط التاريخ في هذه الهجرة التي استغرقت عقوداً من الزمان تم اختلاط المهاجرين العرب بالسكان المحليين ذوي الأصول الزنجية. وكانت النتيجة كما يقول المؤرخون بروز سحنات مغايرة ولهجات جديدة، الشاهد، لم تكن موجودة في المنطقة من قبل و(التاما) وفق هذا التعليق كانت أشكالهم أقرب ما تكون إلى أثنية (الداجو) أحد أعرق الاثنيات الأفريقية بينما تشابهت لغتهم الجديدة مع اللهجة (الأرنقا)، لدرجة يصعب معها التمييز أيهما سبقت الأخرى إلى الوجود!.
وبالنسبة إلى ديار التامة، فهي في الحدود بين السودان وتشاد، و لربما كان لهذا الموقع دوره في انقسام (دار تاما) بين البلدين. لعامل ترسيم الحدود بين المستعمرين انجلترا وفرنسا. وهي بتحديد أكثر تقع في الوسط بين (دار مساليت) و(دار قمر)… هذا ما عرفت به في الجغرافيا والتوزيع السكاني الحديث.
تأثير لغة الضاد
من الواقع المتقادم لحركة واستقرار القبائل فإن عدة قبائل كانت أكثر تأثراً بوجود التامة في المنطقة كالارنقا والمسيرية جبل، حيث بلغ التداخل حداً تشابهت معه اللهجات الخاصة بالقبائل الثلاث و تلتقي لغات الأرنقا والجبل في كثير من مفرداتها مع لغة (التامة) حتى يخيل إلى السامع ان الأوليين – الأرنقا والجبل – ليسا سوي بطن من بطون أثنية (التاما) الأقدر انتشاراً وحركة في محيطها الجغرافي فيما يكمن القاسم المشترك في وجود الكلمات العربية بكثافة فائقة على اللهجات الثلاث التاما و الأرنقا والجبل!.
قبيلة محايدة
رغم ارتباط اسم (التاما) بثورة شهيرة قادها(الفكي سنين) فإن صعوبة بالغة تكتنف عملية تتبع المواجهات المحلية التي دخلت القبيلة طرفاً فيها.
وإشارات كثيرة وردت في الدراسات الموجهة نحو تاريخ المنطقة السياسي والعسكري وضعت (التاما) في منطقة الوسط من حيث النزوع إلى استخدام القوة، يشير صاحب (البعد السياسي للصراع القبلي في دارفور) : اتصفت قبيلة التاما بالحيادية، ولم يشهد لها ان تنازعت مع أية قبيلة أخرى، عبر تاريخ طويل! ولكن رغم هذه الشهادة فإن الكاتب يسجل في سياقات أخرى مطامع الفور، على عهد السلطان علي دينار، بالاتجاه إلى ضم الأرض الواقعة تحت سيطرة (تامة) باعتبار أنها من أخصب أراضي دارفور عموماً..
ثورة الفكي سنين
يبدو ان النزوع إلى استخدام قوة السلاح كانت تحكمه أجندة، بين سلطان الفور وزعماء التاما من واقع إقبال الزعماء هؤلاء، ومنهم الفكي سنين، على الدعوة المهدية والعمل على تثبيت أركانها في تلك الإنحاء.
ولد الفكي سنين زعيم أشهر ثورة في تاريخ قبيلة التاما بقرية (جلمي) وترعرع في بيئة دينية و قاد بجانب محمود ود أحمد أبرز القادة الميدانية في حكم الخليفة عبد الله ، جيوش الثورة المهدية في غرب السودان، الراية الزرقاء.
أعلن القائد سنين استعداده لملاقاة السلطان دينار شخصياً، وكان تحدياً واضحاً إلا أن القريبين من السلطان تحركوا لإقناعة بإرسال (كيران) أشجع قادة السلطنة وينتمي إلى قبيلة الزريقات، وان يكتفي بإسناد المسؤولية إليه لكسر غرور الفكي سنين وإرغامه على الدخول في فروض الولاء والطاعة.
منى جيش الفور والرزيقات بهزيمة قاسية أمام جنود الشيخ سنين وافتن فرسان التاما في إدارة الحرب على مدى ثلاث جولات، حدث ذلك بعد العامين 1901م – 1903م.
عبقرية التاما
قليلاً ما كان ينزع رجال التاما إلى منطق القوة لقد كانوا في المرة الوحيدة يدافعون عن استقلال قرارهم ويزودون عن أرضهم شديدة الخصب فواجه ببأس خطة التوسع لسلطنة الفور..
الهزيمة في المرات الثلاث، لم تثني عزم (السلطان دينار) عن توجيه آدم رجال شقيق السيدة (قمرة)، زوجة الفكي بعد مضي (7) أعوام ، للسير مجدداً لإخضاع التاما ضمن جولة حاسمة حشد لها (دينار) أشد أدوات الحرب والرجل.
تحصن التاما في (ديمة الحصين) وهي منطقة موحشة تحفها شجيرات شوك لاذعة الطعن!، أن عبقرية التامة أخرت موعد الهجوم وأطالت أمد الحصار المضروب على (ديمة الحصين) إلى نحو عام كامل عانى خلاله جنود السلطان الويلات وأمر المعاناة في وقت رفض الفكي سنين عروض نسبيه قائد الحصار بما فيها سلامته الشخصية بشرط التسليم.
وفي هجوم مباغت ذات صباح شنه آدم رحال قاومه (التاما) واستبسل في صده الفرسان، سقط (الفكي) شهيداً حيث نقل جثمانه إلى عاصمة السلطنة في (الفاشر) حيث ينتظر علي دينار الذي صلى عليه وعدد مآثره وبطولته الخالدة، وحيث دفن ووري الثري.
وبالصورة الدرامية انتهت حياة الرجل الذي دافع عن مبادئه وزاد عن أرضه وحرثه، وبوفاة الفكي سنين انطوت صفحة ملأ بالتضحيات و مثابرة (التاما) في طريق مبادئ ورموز العقيدة في موطنهم الصغير!.